د.عمر حسون الهاشمي يكتب : في ذكرى فتح إسطنبول

profile
د.عمر حسون الهاشمي
  • clock 28 مايو 2023, 10:15:09 م
  • تم نسخ رابط المقال إلى الحافظة
Slide 01
متداول

في ذكرى فتح إسطنبول 

الفتح الذي بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم

وجهز له معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه 

و أكمله الفاتح محمد الثاني العثماني رحمه الله 

في ‏26 من ربيع الأول  857 هجري 

‏29/ مايو/1453 ميلادية

‏دخل السلطان محمد الفاتح القسطنطينية فاتحا ومتوجا ببشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الوارد في الثناء على فاتح القسطنطينية ، فقد أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، عن عبد الله بن بشر الخثعمي ، عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : -( لتفتحن القسطنطينية ، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش ) والحديث مختلف في صحته ، وقد صححه الحاكم والذهبي .

كانت أولى المُحاولات الإسلاميَّة لِفتح القسطنطينيَّة سنة 49هـ ، المُوافقة لِسنة 669م ، في عهد مُعاوية بن أبي سُفيان رضي الله عنه ، إذ أرسل حملةً عسكريَّةً بريَّةً ضخمة لِحصار المدينة ، بقيادة فضالة بن عُبيد الله الأنصاري الذي توغَّل في عُمق الأراضي البيزنطيَّة حتّى وصل إلى خلقدونيَّة القريبة من الطرف الاسيوي لمدينة إسطنبول اليوم  ( أوسكدار) . 

وقد أمضى فضالة شتاء تلك السنة في أملاك الإمبراطوريَّة وكان مُعاوية يمُدُّه بالإمدادات والمؤن ، وقد تمت هذه الإمدادات ، بقيادة سُفيان بن عوف ، وقامت بتنفيذ الحصار على العاصمة البيزنطيَّة ، ونظرًا لجسامة المُهمَّة وأهميَّة الحملة ، أردف مُعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه القوَّات الإسلاميَّة بابنه يزيد رضي الله عنه على رأس قوَّةٍ إضافيَّةٍ ، واصلت الحصار واصطدم الفريقان الإسلامي والرومي في معارك التحاميَّة تحت أسوار المدينة ، إلَّا أنَّ المُسلمين لم يُحرزوا انتصاراتٍ حاسمة ، فعادوا إلى دمشق ، وتوفي في هذه الغزوة الصحابي أبو أيّوب الأنصاريّ الذي رافق جيش يزيد، ودُفن عند أسوار  قسطنطينية .

وفي سنة 54هـ المُوافقة لسنة 674م بدأ الحِصارُ الثاني للقسطنطينيَّة واستدعى الأمر تعزيز القوَّة البحريَّة الإسلاميَّة في مياهها ، وانضمَّ إليها أسطولٌ إسلاميٌّ آخر بقيادة جُنادة بن أبي أُميَّة الأزدي بعد أن فتح جزيرة أرواد القريبة منها حيثُ اتخذها المُسلمون قاعدة انطلاق . 

 

 

وتخلل الحِصار مُناوشاتٌ بين الأسطولين الإسلامي والبيزنطي ، في حين تراشقت القوَّاتُ البريَّةُ الإسلاميَّةُ المُرابطة حول العاصمة ، مع الجُنود الروم المُرابطين على أسوارها ، بالقذائف والسِّهام استمرَّ هذا الوضع قائمًا طيلة سبع سنوات حتّى سنة 60هـ المُوافقة لسنة 680م اقتصرت خلالها

العمليَّات العسكريَّة على فترتيّ الربيع والصيف لصُعوبة القتال في الشتاء ، وصمدت المدينة أمام الحصار، فلم يستطع المسلمون حسم المعركة فأمر الخليفة مُعاوية بن أبي سُفيان الجيش الضخم أن يعود أدراجه إلى دمشق ، وأبرم هدنةً طويلةً مع الروم تستمرُّ ثلاثين سنة .

عاود المُسلمون الكرَّة على القسطنطينيَّة في خِلافة سُليمان بن عبد الملك اللذي اتخذ من دابق عاصمة ومعسكرا له مؤقتة له لقربها من بلاد الروم ، سنة 98هـ ، عندما جمع الخليفة جيشًا بريًّا بلغ قوامه 180 ألف جُندي من أهل الشَّام والجزيرة الفُراتيَّة والموصل ، بالإضافة إلى 1800 قطعة

بحريَّة وأعطى الله عهدًا أن لا ينصرف حتّى يدخل الجيش القسطنطينيَّة ومن هذا المكان قام الخليفة بتعبئة الجيش وحرَّكه باتجاه العاصمة البيزنطيَّة بقيادة الفاتح المسلم العظيم أخيه مسلمة ، فوصلها بعد أن فتح بضعة ثغور على طول الطريق وألقى أفراده أنفسهم عند أسوار القسطنطينيَّة وحاصروها من جهة البرّ ، وتحرَّك في الوقت نفسه الأسطول الإسلامي الضخم باتجاه مضيق الدردنيل وبحر مرمرة وحاصر المدينة من جهة البحر وقام مسلمة بن عبد الملك بنصب المجانيق الضخمة على المدينة وأخذ يضربها ، لكن ردَّته مناعة الأسوار ، وتوفّر أدوات الدفاع ، كما هبَّت عاصفة عاتية حطَّمت عددًا كبيرًا من السُفن الإسلاميَّة ، فانتهز البيزنطيّون هذه الفُرصة وأحرقوا عددًا كبيرًا منها بالنار الإغريقيَّة وهي سائل حارق استعمله البيزنطيون كسلاح في حروبهم البحرية .  كما عجز الجيش الإسلامي من تطويق الجبهة الشماليَّة للعاصمة البيزنطيَّة مما مكَّنها من الاتصال بسواحل البحر الأسود التي أمدَّتها بحاجتها من الغِلال والمؤن ، وفتك البرد القارس بعددٍ من الجنود ، وهاجمهم البلغار من الجانب الأوروپيّ بالاتفاق مع الإمبراطور الرومي ليو الثالث ، ثُمَّ توفي سُليمان بن عبد الملك رضي الله عنه دون أن يتحقق حلمه بافتتاح القسطنطينية واعتلى عُمر بن عبد العزيز سُدَّة الخِلافة ، فأرسل كتابًا إلى مسلمة يأمره بالعودة إلى دمشق ، في شهر ذي الحجَّة سنة 99هـ .

 بعد ذلك حاول عدد من أمراء العباسيين و السلاجقة وحتى المرابطين فتح  القسطنطينية لكن خمدت المُحاولات الإسلاميَّة لفتح القسطنطينيَّة بضعة قرونٍ مُنذ أن تقسَّمت الدولة العبَّاسيَّة وأخذ السلاطين والأُمراء المُسلمين ينزوون في البلاد التي استقلّوا بها ، ونتيجةً للنكبات التي تعرَّض لها المشرق الإسلامي جرَّاء الحملات الصليبيَّة والغزو المغولي ، ولم تنتعش تلك المُحاولات مُجددًا سوى في بداية العهد العُثماني .

ففي سنة 793هـ المُوافقة لسنة 1391م ، ضرب السُلطان بايزيد الأوَّل حصارًا على القسطنطينيَّة وأجبر الإمبراطورعمانوئيل پاليولوگ الثاني على قُبول شُروط الصُلح ، ليتفرَّغ لقتال الحلف الأوروپيّ الصليبيّ في البلقان وبعد أن تمَّ له النصر على هذا الحِلف وأمَّن الجبهة البلقانيَّة وسيطر على قسمٍ من شبه جزيرة المورة ، التفت بايزيد مُجددًا نحو القسطنطينيَّة بعد أن امتنع الإمبراطور البيزنطي عن الوفاء بالتزاماته تجاه الدولة العُثمانيَّة ، فقام بعزل العاصمة عن مُحيطها ، وأحكم الحصار عليها بأن بنى على شاطئ الأناضول قلعة « أناضولي حصار » على مسافة ثمانية كيلومتراتٍ منها على ساحل مضيق البوسفور ، وكاد العُثمانيّون يُفلحون بالدخول إلى العاصمة لولا الاجتياح المغولي لشرق الأناضول ، فاضطرَّ بايزيد إلى فكِّ الحصار عن القسطنطينيَّة بعد أن جدَّد شروط المُعاهدة السابقة مع الروم وأضاف إليها شروطًا أُخرى وقع الحصار العُثماني الثاني للقسطنطينيَّة بعد وفاة بايزيد الأوَّل في الأسر بعد أن أسره تيمورلنك في معركة أنقرة ، وبعد أن انقسمت الدولة العُثمانيَّة إلى دويلات وإمارات ، قام سُلطان الروملّي موسى چلبي بن بايزيد بمُحاصرة القسطنطينيَّة ليستأثر بها لنفسه ،  لكنه قتل غيلة رحمه الله دون ان يتم له الفتح وذلك في سنة 816 هـ المُوافقة لسنة 1413م ، كانت آخر محاولة لفتح القسطنطينيَّة قبل فتحها كانت حصار السُلطان مُراد الثاني ، الذي توجَّه على رأس قوَّاتٍ كثيفة تُقدَّر 50  ألف جُندي إلى القسطنطينيَّة وحاصرها يوم 3 رمضان سنة 825 هـ المُوافق فيه 21 آب ( أغسطس ) سنة 1422م فاشتبك العُثمانيّون مع الروم في قتالٍ عنيف عند أسوار القسطنطينيَّة ، لكنَّهم لم يتمكنوا من فتحها نتيجة نشوب ثورة في الأناضول تزعَّمها أُمراء القرمان والكرميان

وفي يوم 16 مُحرَّم سنة 855هـ المُوافق فيه 18 شُباط ( فبراير ) سنة 1451م اعتلى مُحمَّد بن مُراد عرش آل عُثمان ، فعُرف بمُحمَّد الثاني ، و كانت الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة وقتها قاصرةً على مدينة القسطنطينيَّة وضواحيها ، فبدا واضحًا أنَّ أيامها أصبحت معدودة .

 

 

 

قضّى السُلطان مُحمَّد الثاني شتاء سنة 856/857 هجري 1452-1453م في أدرنة يستعد للفتح الكبير المُنتظر، فجمع جيشًا جرَّارًا كان أحد أضخم جيوش ذلك الزمن ، وتُشيرُ وثائق الأرشيف العُثماني أنَّ عدد أفراد الجيش تراوح بين 50,000 و80,000 نفر، كان منهم ما بين 5,000 و10,000 إنكشاريّ ، كما عمد السُلطان إلى جمع أحدث الأسلحة  في ذلك الزمن، وأهمَّها المدافع التي أمر بسبكها بأقطارٍ لم يُسبق أن شوهدت من قبل، ومدافع الهاون التي استُعملت لأوَّل مرَّة في التاريخ ، ومنها مدفعًا ضخمًا جدًا عُرف باسم « المدفع السُلطاني » أو « المدفع الشاهاني » ، بدأ الحصار الفعلي للقسطنطينيَّة واتجه السُلطان إلى القبلة وصلَّى ركعتين وصلَّى الجيش كُله من وراءه ، ثُمَّ نهض يوزعهم ، فجعل القسم الأكبر من الجيش يتجمهر جنوب القرن الذهبي ، ونشر الجُنود النظاميّون الأوروپيّون على طول الأسوار وجعل قره جه باشا أميرًا عليهم .

وتمركزت الفرق العسكريَّة الأناضوليَّة جنوب نهر ليكوس ناحية بحر مرمرة بقيادة إسحٰق باشا ، ووُضع الحرس السلطاني الذي يضم نخبة الجنود الانكشارية في الوسط حيثُ نُصبت خيمة السُلطان ، مُقابل بوَّابة رومانوس ، ثُمَّ أرسل السُلطان بعض أفضل جنوده لتطهير ما بقي من حصونٍ وقرى روميَّة مُجاورة ، وأردفهم بالأسطول بقيادة أمير البحار سُليمان بك بلطة أوغلي ، فسقط في إيديهم حُصن طرابيا على البوسفور، وحُصنٌ آخر أصغر حجمًا يقعُ في قرية ستوديوس قُرب بحر مرمرة ، ثُمَّ تلتهم جُزر الأميرات بعد بضعة أيَّام الثلاثاء 21 جمادى الأولى 857هـ \ 29 أيَّار ( مايو ) 1453م الهجوم العُثماني الأخير على القسطنطينيَّة .

‏في صبيحة هذا اليوم ، وبعد صلاة الفجر ، بدأ الهجوم الإسلامي العام على القسطنطينيَّة ، بدأت المدفعيَّة تُطلق نيرانها مع بزوغ أشعَّة الشمس الأولى ، وبدأ الجُند تحت ستار هذه النيران بالضغط على الأسوار ، ومُحاولة تسلُّقها من جميع الجهات ( على أنَّ الهجوم تركَّز على بوَّابة رومانوس بشكلٍ أساسيّ ) ، وأخذت فرق « المهتر » الموسيقيَّة العسكريَّة تضرب طبولها وتدوي أبواقها لإثارة حمية الجنود ، ورجال الدين ومشايخ الطُرق الصوفيَّة يتجوَّلون بين صفوف العُثمانيين يُشجعون المُقاتلين ويتلون الأدعية ويُنشدون الأشعار والمنظومات الدينيَّة ، ويُرددون الآيات القُرآنيَّة والأحاديث النبويَّة التي تحثُّ على القتال والجهاد في سبيل الله .

 وتركَّز الهجوم على ناحية بلاشرنيا شمال غرب المدينة حيثُ تخلخلت الأسوار وتضعضعت بشدَّة واكتست بالثغرات بفعل القصف المدفعيّ العنيف ، وقد نجح الجيش بدخول المدينة عبر تلك الثغرات ، لكنَّهم ما كادوا يفعلون ذلك حتّى ردَّهم المُدافعون على أعقابهم ، وأخذ البيزنطيّون يُخلون بيوتهم والشوارع ويلتجئون إلى الكنائس بعد أن هالهم رؤية العُثمانيّون وقد تخطّوا الأسوار ، وامتشق بعض المواطنين السلاح ودافعوا مع الجنود عن المدينة استمرَّ الضغط العُثماني وتابع السُلطان يُعزِّزُ وحدات الجنود بصورةٍ مُستمرَّة ، ولم تستطع أحجار المجانيق التي تُلقى عليهم أو قذائف المدافع أو النار الإغريقيَّة أن تُثني موجاتهم المُتتالية عن مُحاولات تسلّق الأسوار ، وعندما ظهر للسُلطان أنَّ المعركة قد احتدمت دفع بخيرة الجُنود إلى القتال ، ففي تلك اللحظات تمكَّن ضابط عُثماني حديث السن يُدعى حسن الألوباطلي ( ألوباطلي حسن ) مع 30 جُنديًّا من رفاقه ، تمكنوا من الوصول إلى أعلى نُقطة في السور الأوسط حيثُ ركَّزوا الرَّاية العُثمانيَّة ، ويُقال أنَّ الإمبراطور لمَّا شاهد الرَّاية السُلطانيَّة تخفق على الأسوار ، أيقن أنَّ الأمر انتهى ، فألقى برايته البنفسجيَّة أرضًا وانقض مع بقيَّة جنوده على العُثمانيين ، فكانت تلك نهايته ، حيثُ سقط قتيلًا مع جنوده دفاعًا عن وطنه ، فتح الجيش العُثماني الذي دخل المدينة أبواب القلاع الواحدة تلو الأُخرى ويسَّر دخول الوحدات العسكريَّة الأُخرى كافَّة ، وخصص السُلطان فرقًا عسكريَّة لحراسة بعض مواقع المدينة وأهمَّها الكنائس ، مثل كنيسة الحواريين ، كي لا يتعرَّض لها أحد الجنود بضرر . 

وفي عصر ذلك اليوم ، دخل السُلطان المدينة على ظهر جواده الأبيض « جان بولاد » ( أو جانبولاد = جانبولات = جُنبُلاط ، أي ذي الروح الفولاذيَّة ) ، وقد بلغ من العُمر 22 ربيعًا ، ونشر راية السّلام ، وأُشير إلى أنَّهُ سجد على الأرض شاكرًا الله أنّ نبوءة الرسول مُحمَّد تحققت على يديه ثُمَّ سار إلى كاتدرائيَّة آيا صوفيا حيثُ تجمَّع خلقٌ كثيرٌ من النَّاس فأمَّنهم على حياتهم ومُمتلكاتهم وحُرِّيتهم ، وطلب منهم العودة إلى بيوتهم . 

 

بعد ذلك توجَّه إلى مذبح الكاتدرائيَّة وأمر برفع الآذان فيها ، وأدّى صلاة العصر داخلها إيذانًا بجعلها مسجدًا جامعًا للمُسلمين ، ثُمَّ أمر بالبحث عن جُثَّة الإمبراطور قسطنطين ، فأُحضرت وسُلِّمت إلى الرُهبان ودُفنت بعد إقامة المراسم الروميَّة المُعتادة .

 

 

 

بعد شعور المسيحين بعدالة محمد الفاتح واكرامه للنصارى الذين بقوا في المدينة وحمايته لهم ذكرت العديد من المصادر أنَّ العائلات اليونانيَّة التي غادرت المدينة عادت  للسكن في القسطنطينية بعدما سمعت عن عدالة الفاتح مع العائلات التي بقت فيها عن حسن المعاملة التي تلقوها من العثمانيين بعد الفتح .

.يشهد كثيرٌ من المؤرِّخين الغربيِّين على سماحة الفاتح تجاه شعب القسطنطينيَّة عند فتحها ، فتقول المؤرِّخة الأميركيَّة ماري باتريك ( والواقع أنَّ السلطان محمدًا الفاتح قد أظهر تسامحًا عظيمًا مع المسيحيِّين) .

ويُؤكِّد المؤرِّخ الألماني هانز كيسلينج على أنَّ نصارى القسطنطينيَّة كانوا يُمارسون حياتهم بشكلٍ طبيعيٍّ بعد الفتح ، وكانوا يُمارسون عبادتهم دون مساس، بل كانوا يُمارسون لغتهم مع اختلافها عن لغة الحكَّام.

ذكر المؤرِّخ الإنجليزي بول كولز: ( بسقوط القسطنطينيَّة أصبح قَدَر المسيحيَّة اليونانيَّة الأرثوذكسيَّة بأيدي العثمانيِّين ، وكان تصرُّف محمد الثاني بعد الفتح مقياسًا لمدى النقلة الحضاريَّة التي حقَّقها العثمانيُّون مبتعدين عن تراثهم البدوي).

حتى المؤرخين المسيحيين المتشديدن كان لابد لكلمة الحق ان تخرج من قلوبهم وتدونها اقلامهم لدرجة ان التناقض بان واضحا في كتاباتهم فبينمت هم يحاولون تشويه سيرة الفاتح رحمه الله نجدهم يتناقضون مع أنفسهم ويمدحون سماحته .

كراولي الذي أسرف في وصف استباحة المدينة نجده في موضعٍ آخر يقول: ) لم تكن مدينة القسطنطينيَّة بالنسبة إلى الفاتح مدينةً للاستباحة ؛ إنَّما كان يُريدها مركزًا لدولته ، ولذلك كان حريصًا على سلامتها!.( 

إنَّ تسامح الفاتح المفرط في تعامله مع شعب القسطنطينيَّة قد جعلت البعض -كما يقول المؤرِّخ الألماني كيسلينج- يعتقد أنَّ الفاتح مسيحيٌّ من الداخل ويُظهر الإسلام ! لأنَّه ليس من المفهوم في مثل هذه الحقبة التاريخيَّة أن يكون تعامل القادة مع الشعوب المنهزمة بهذه الصورة وهذا من أعجب ما قرأتُ عن هذا الفاتح الإسلامي العظيم . 

هذه سماحة الإسلام الحقيقيَّة اللذي مثله الفاتح عند فتح القسطنطينيَّة  التي يجب مقارنتها مع ما فعله بما فعله الفاتحون الأخرون لنُدرك مدى نبل أخلاق المسلمين في حروبهم ، ويكفي أن نُراجع ما وصف به المؤرِّخ الإنجليزي استيڤين رنسيمان  استباحة اللاتين لمدينة القسطنطينيَّة عام 1204م حيث ذكر الكثير من المآسي غير المتخيَّلة،  وختم بأن قال: « إنَّ هذه الاستباحة لا يُوازيها شيءٌ في التاريخ كلِّه »،  وما قاله رنسيمان في حقِّ اللاتين في القسطنطينيَّة يُقال كذلك في حقِّ الحملة الصليبيَّة على القدس ، ويُقال -أيضًا- في حقِّ ما فعله الإسبان في الأندلس ، أو في أميركا اللاتينيَّة ، وما فعله الأوروبِّيُّون مع الهنود الحمر في أميركا الشماليَّة ، أو ما فعله الكاثوليك في البروتستانت في باريس عام 1572م ، أو ما فعله الفرنسيُّون في الجزائر ، أو ما فعله الصينيُّون في التركستان ، أو ما فعله اليابانيُّون في الصين ، والقائمة لا نهاية لها ! وبضدِّها تَتَبَيَّن الأشياء!.

‏والحمدلله رب العالمين .

عمر الحسون الهاشمي 

باحث في التاريخ العربي والإسلامي 

قطر/الدوحة


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)