سعيد الحاج يكتب: قمة بوتين وأردوغان.. عودة الدفء للعلاقات وحلول محتملة

profile
  • clock 8 سبتمبر 2023, 7:04:44 م
  • تم نسخ رابط المقال إلى الحافظة
Slide 01
متداول

توجهت الأنظار جميعها إلى القمة التي جمعت بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان في مدينة سوتشي الروسية الاثنين الماضي. كان الكثيرون يترقبون نتائج متعلقة بقضايا ذات أهمية كبيرة، في مقدمتها اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، الذي انسحبت روسيا منه في تموز/يوليو الماضي.

سقف التوقعات

لم يكن سقف التوقعات بشأن القمة مرتفعة من البداية؛ إذ كان الموقف الروسي تجاه اتفاق تصدير الحبوب واضحا وثابتا إلى حد بعيد، ولم تكن العلاقات بين تركيا وروسيا في أفضل أحوالها مؤخرا؛ بل يمكن وصفها خلال الأسابيع القليلة الماضية بأنها تأرجحت بين الفتور والتوتر، بدون أن تصل إلى مستوى الأزمة.

نقلت تركيا ملف انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى البرلمان للنقاش، وذلك بعد موافقتها في مارس/آذار الماضي على انضمام فنلندا للحلف. ومع تصريحات أردوغان حول إمكانية مناقشة عضوية أوكرانيا في الحلف، وتسليمه لضباط كتيبة آزوف للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أثارت هذه الخطوات استياءً في موسكو، التي بادرت بتوجيه رسالة تعبيرا عن استيائها و/أو استنكارها لأنقرة.

 

لم يكن متوقعا أن يستطيع الرئيس التركي إقناع نظيره الروسي بعودة بلاده للاتفاق السابق بنصوصه السابقة وتطبيقاته المعروفة، وإنما كان الأرجح التوصل أو التمهيد لاتفاق معدّل أو مطوَّر أو مكمّل للسابق أو حتى اتفاق جديد مختلف كليا.

تأجيل الزيارة التي كان يفترض أن يقوم بها بوتين لتركيا في أغسطس/آب الفائت ثم تحويلها لزيارة للرئيس التركي إلى سوتشي في الشهر الجاري؛ كان أحد التعبيرات الروسية عن العتب/الغضب إزاء أنقرة. يضاف لذلك الانسحاب من اتفاق تصدير الحبوب والذي وإن كان موجها في الأصل ضد أوكرانيا والدول الأوروبية، إلا أن من زاوية ما كان رسالة لأنقرة كذلك التي لعبت دور الوسيط فيه وأقنعت موسكو سابقا بالعودة له أكثر من مرة.

كما سبق لروسيا أن اتهمت تركيا بانتهاك اتفاق تبادل الأسرى بعد تسليم ضباط آزوف إلى زيلينسكي خلال زيارته لأنقرة. وقد اعتبر البعض أن قصف المصانع الأوكرانية التي تُصدر إلى تركيا قطعا تستخدم في الصناعات العسكرية هو بمثابة رسالة مبطنة إلى أنقرة. وبنفس السياق، فُسِّرَ تفتيش السفينة التي كانت متجهة إلى الموانئ الأوكرانية في الشهر الماضي -رغم أنها كانت تحمل علما غير تركي، وتعود ملكيتها لشركة تركية- كرسالة أخرى من روسيا.

 

ولذلك، لم تكن التوقعات مرتفعة بشأن نتائج اللقاء الذي توقع الكثيرون أن يتطرق فيه إلى العديد من القضايا، وعلى رأسها مسألة عودة روسيا إلى اتفاق تصدير الحبوب. ورغم أن أردوغان ذهب إلى سوتشي وهو متمسك بأمل استعادة الاتفاق -الذي يعد "جسرا للسلام" في البحر الأسود ولا تقتصر أهميته على العائدات الاقتصادية ولكنه يُعد أيضا وسيلة لتخفيف التوتر في المنطقة- فإن بوتين ظل متمسكا بموقف بلاده الذي يطلب ضمانات حقيقية وليس مجرد وعود للعودة إلى الاتفاق.

 

عودة الدفء

ولذلك، وبالنظر لكل ما سبق، لم يكن متوقعا أن يستطيع الرئيس التركي إقناع نظيره الروسي بعودة بلاده للاتفاق السابق بنصوصه السابقة وتطبيقاته المعروفة، وإنما كان الأرجح التوصل أو التمهيد لاتفاق معدّل أو مطوَّر أو مكمّل للسابق أو حتى اتفاق جديد مختلف كليا.

وعند قراءة سريعة لمخرجات القمة الروسية-التركية على المستوى الرئاسي، نجد أن الملفات التي تم مناقشتها كانت عديدة، ولكن الملفين الأبرز بينها هما: ملف عودة روسيا لاتفاق تصدير الحبوب، وهو الملف المعلن، والملف الضمني وهو العلاقات بين تركيا وروسيا.

 

وعلى مستوى العلاقات الثنائية، واستنادا إلى تصريحات الرئيسين خلال المؤتمر الصحافي المشترك والمؤتمر المشترك لوزيري الخارجية من البلدين قبل أيام، نلاحظ أن الدفء قد عاد إلى العلاقات بين البلدين إلى حد ما، رغم أن الأمور لم تعد بالضرورة إلى ما كانت عليه قبل أشهر.

وكانت اللغة التي سادت في المؤتمر المشترك بين فيدان ولافروف إيجابية جدا فيما يتعلق بالعلاقات بين البلدين، رغم أنها لم تعطِ إشارات قوية بشأن التوصل لاتفاق محدد. ونفس الأمر تكرر في المؤتمر المشترك بين بوتين وأردوغان. أما بالنسبة للحديث عن تطوير العلاقات الاقتصادية، التجارية، السياحية والملفات الأخرى المتعلقة بالعلاقات الثنائية، فكان متميزا وبنبرة متفائلة، مما يشير إلى وجود إرادة سياسية قوية من الجانبين للتطوير وتعزيز العلاقات.

أكثر من ذلك، فقد حملت كلمة أردوغان المقتضبة في المؤتمر الصحافي وردوده على الأسئلة تأكيدا وتأييدا للسردية الروسية، فيما يتعلق بتحفظاتها على تطبيق اتفاق تصدير الحبوب بخصوص التوزيع والعقوبات الروسية، وكذلك بدعوته أوكرانيا "لتليين موقفها" واتخاذ خطوات بالتوازي مع الخطوات الروسية فيما يرتبط بتصدير الحبوب.

 

 

أما ما يتعلق باتفاق تصدير الحبوب، فلم يقتنع بوتين بالعودة له على حاله السابقة، وهو أمر كان متوقعا كما أسلفنا، ولكن ذلك لا يعني استحالة التوصل لاتفاق ما بهذا الخصوص.

فقد تحدث الرئيس التركي عن مقترحات صاغتها بلاده بالتعاون مع الأمم المتحدة وسلمتها لروسيا، وهذه المقترحات تتضمن حلولا للتحفظات الروسية حول تطبيق الاتفاق. أما الرئيس الروسي، فتحدث عن نموذج للتعاون مع تركيا وقطر لتصدير الحبوب كهبة لبعض الدول الأفريقية الفقيرة التي تحتاج إليها.

ومن الواضح أن بوتين أراد من خلال النموذج المذكور إرسال رسالة إلى الغرب، الذي حصل على الحصة الأكبر من صادرات الحبوب بينما كان من المفترض أن تحصل عليها الدول الأفقر. وهو يؤكد على استعداد بلاده وقدرتها على اتخاذ بدائل عن الاتفاق القديم بدون الحاجة للعودة إليه. لكن الأهم من ذلك كله هو أن هذا النموذج قابل للتكرار مع تفاصيل تقنية مختلفة. ومع أن أردوغان لم يكشف عن طبيعة المقترحات التي قدمها للجانب الروسي أو تفاصيلها، فإنه من المؤكد أن هذه المقترحات تهدف إلى إعادة روسيا للتعاون في ملف تصدير الحبوب، وإن كان تحت عنوان أو اسم مختلف، ولكن بنفس الفلسفة، أي المساهمة في التصدير وتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا.

ولذلك، نقول إنه ما زال بالإمكان التوصل لتفاهم أو اتفاق ما مع روسيا؛ ليس بالضرورة قريبا جدا، لكن ما زالت أنقرة قادرة على لعب دور الوسيط في هذا الملف، ونقل الآراء بين كييف وموسكو اللتين زارهما وزير خارجيتها على التوالي في الأيام القليلة الماضية وسمع لمطالبهما وموقف كل منهما.

من جهة ثانية فقد تراجع حضور الملف السوري نسبيا في القمة، أو بشكل أدق في المؤتمر الصحافي للرئيسين. ساهم في ذلك انشغال روسيا في الحرب الأوكرانية، والتطورات الميدانية الأخيرة في سوريا، ومرور الانتخابات التركية، والفتور الذي ساد مؤخرا العلاقات بين أنقرة وموسكو وغيرها من العوامل. حتى نبرة فيدان وهو يتكلم عن النظام السوري تغيرت إلى حد كبير وكانت حازمة ومباشرة لدى الحديث عن "توقعاتنا من الحكومة السورية" التي لا تراجع عنها. ورغم ما سبق، فإن خطوات سياسية إضافية تجاه النظام السوري قد ترى النور في المدى المتوسط، لا سيما إذا استمر المسار الإيجابي للعلاقات بين روسيا وتركيا.

 

وبشكل مشابه، فقد تناول المؤتمر الصحفي لبوتين وأردوغان ملفات أخرى ذات اهتمام مشترك للبلدين ويمكن لهما التعاون فيها، وفي مقدمتها ليبيا وجنوب القوقاز وكذلك مكافحة المنظمات الإرهابية والانفصالية في الشمال السوري المتحالفة ميدانيا مع الولايات المتحدة.

في الخلاصة، وإن بدا بأن القمة التي جمعت الرئيسين بوتين وأردوغان في سوتشي لم تقدم مخرجات ملموسة في الملفات المدرجة على جدول أعمالها وفي مقدمتها تصدير الحبوب، إلا أنها ساهمت بشكل ملحوظ في إذابة الجليد بين الجانبين، وفتحت الباب على مسار إيجابي ممكن في العلاقات الثنائية مستقبلا، فضلا عن أنها مهدت الأرضية لإمكانية التوصل لاتفاق ما بخصوص تصدير الحبوب في المدى المنظور.


 

 

 

 

 

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق التحرير
المصادر

الجزيرة 

التعليقات (0)